د. عبد المجيد زراقط [دور العلماء العامليِّين الأدبي ،الشَّيخ أحمد رضا (1298/ 1372هـ -1872/ 1953م)] / جريدة الأيام الإلكترونية
توفِّي والده سنة 1884م، فانقطع مدَّة قصيرة عن التَّعلُّم، ثم تابع دراسته على العلامة السيِّد محمَّد علي آل إبراهيم الحسيني في النَّبطيَّة، والسيِّد محمَّد علي نور الدِّين في النبطية الفوقا، والشَّيخ أحمد مروة في المدرسة الحميدية.
كان بعد أن يتلقَّى دروسه صباحاً، ينصرف إلى تدريس تلامذته، وكان منهم الشيخ أحمد عارف الزَّين، صاحب العرفان، كان يعمل في التجارة، فدرَّت عليه ما جعله يستقرّ مالياً وينصرف إلى التأليف، ثم فُجع، في سنة 1948 بوفاة أكبر أبنائه الدكتور محمَّد علي رضا، "وهو في شرخ شبابه، فأصابه من هذه الكارثة شرّ كبير ألزمه فراش المرض سنتين ونيِّف، صوَّر خلالهما آلامه في قصائد شعرية مختلفة وفي ليلة السابع من تموز سنة 1953، لبَّى داعي ربه بعد حياة حافلةٍ بالنَّشاط المستمِّر والتضحيات الجلَّى"(). للشيخ أحمد رضا مؤلفات كثيرة، منها: معجم متن اللغة، رسالة الخط، رد العامِّي إلى الفصيح، مولد اللغة، كتاب الدروس الفقهية، كتاب هداية المتعلِّمين، ديوان شعر. يعدُّ الشَّيخ أحمد رضا عالماً لغوياً بحث في نشأة الكتابة، وفي الخط العربي، وفي رد الألفاظ العامِّية إلى أصل فصيح ما لم يكن دخيلاً، وفي نشأة اللغة، واللغة العربية، والسبب في تغلُّب لغة قريش، كما يعد رائداً في تأليف المعاجم اللغوية، إذ ألَّف "معجم متن اللغة" تلبية لدعوة المجمع العلمي العربي بدمشق الذي انتخبته عضواً فيه، كما كان مناضلاً سياسياً، وداعية إصلاح ونهضة، وهو إذ كان يحصِّل العلم ويدرِّسه، وينشط سياسياً وإصلاحياً، كان يخلو لنفسه، وينظم الشعر الوجداني والوطني والاجتماعي.
في ردِّ العامي إلى الفصيح كان، كما يقول الشيخ سليمان ظاهر في مقدمته للكتاب "يأخذ الكلمات العامِّية عن العوام، كما يلفظونها، في موارد استعمالها، في مرافق حياتهم، بمختلف صياغاتها وحروفها...، ثم يعرضها على أمهات الكتب اللغويَّة، كلسات العرب والتاج والمخصَّص وسواها، فيخرج بنتيجة صحّة عربية حملها ببحث فيه الدقة والعمق، مؤيد بالبرهان، معزَّز بالشواهد".
وفي كتاب "معجم متن اللغة"، الذي استغرق تأليفه عشرين عاماً، بحث، إضافة إلى ما ينبغي أن يتضمّنه المعجم، في المقادير القديمة، مثل وحدة الثّقل: "الحبَّة" ووحدة قياس المسافة: "الذراع"، ووحدة المكاييل: "المدَّ"، ووحدات أخرى، منها: الدرهم والمثقال والأقّة والرطل والقيراط والقمحة والنقير...، كما ضمَّن معجمه الكلمات المستحدثة التي أقرّتها مجامع اللغة العربية. وفكَّر في إفادة طلاب المدارس من معجمه فوضع له ملخصين هما: "الوسيط" والموجز في متن اللغة.
كان الشيخ أحمد رضا أديباً وعالماً مفكّراً، ومؤرِّخاً، ولغوياً وشاعراً وسياسيّاً وتاجراً...، يقول: "... وحين وقفت مدرسة السيد حسن بن يوسف، سنة 1320هـ، انصرفتُ إلى التجارة"(). وفي الوقت نفسه، كان شاعراً، يقول الشِّعر في تصوير تجاربه الحياتيَّة، ليعبِّر عمَّا يختلج في ذاته من مشاعر. كان يرى إلى واقعه السياسي الاجتماعي الثقافي، ويجسِّد رؤيته لغة ناطقة كاشفة. يقول في بيان حال أبناء زمانه:
تمرَّست بالأيَّام حتَّى خبرتها
فلم أرها ترعى لذي شرفٍ عهدا
وقلبت أبناء الزَّمان، فلم أجد
خليلاً أصافيه، فيصفي لي الودَّا
ويقول في بيان حال قومه وحبِّه لهم:
... ولكنَّه حبٌّ لقومي غذَّيته
وسار مسرى الرُّوح في الدَّم واللحم
يسوقهم للذلّ سوقاً رعاتهم
ألا أرفق بمن ترعاه، يا راعي البهم
تسابق، في استرقاقهم زعماؤهم
شفاءً لغيظ، أو وصولاً لغنم
وفي سنة 1948، أصيب بنكبتين أولاهما شخصيَّة وهي وفاة ابنه، وثانيتهما قوميَّة، وهي نكبة فلسطين، ومما قاله في هذه السنة:
واليوم، مذ هاض الزَّمان جوانحي
ورمى مجامع شملنا بشتات
حان الرّبيع بناظري، وتحوَّلت
أنوار أيامي إلى ظلمات
هيهات أن تشفى جراحي بعدما
قد غيبوا رهن الضريح أساتي()
يقول هاني فرحات: "لم تقتصر كتابات الشيخ أحمد الاجتماعية والأخلاقية على المقالات المنثورة في بطون المجلات والجرائد والمحفوظات، بل تعداها الأمر إلى الشعر، وما أحسن الشعر حين يلتزم بمشاكل الشعب ويومياته، فلم يدع حادثةً في محيط تجاربه إلاَّ وقف عندها وقفة الناقد والمعلم والمربي والموجه"().
ويرى فايز ترحيني أنَّ نَظْمُ الشَّيخ لم يقتصر على غرضٍ واحدٍ من أغراض الشعر بل تعددت تلك الأغراض: منها الرثاء ومنها ما كان وطنياً واجتماعياً ومنها ما صُبغ بلون خاص كوصف منجزاتِ العلم أضف إلى ذلك أبياتاً غزلية مبثوثةً هنا وهناك وأخرى ترسم سيرة الرجل فنلتمس من خلالها معلماً آخر من معالم التاريخ العاملي().
ومن نماذج شعره قصيدة يتحدَّث فيها عن تجربته في الحياة بعد ما بلغ التاسعة والسَّبعين من العمر جاء فيها:
تسع وسبعون من عمري على كشفي
تنوء في حملها الصمُّ الجلاميد
قضيتها بجهاد كله عبر
وكل أيامه هم وتنكيد
فما ونت عن طلاب العز وانية
ولا استلان لغير المجد لي عود().
لأحمد رضا ديوان شعر مخطوط يحتوي على ستة مقطوعات في رثاء ولده منها مقطوعة بعنوان (ذُهِلْتُ):
ووالهفي العشية يوم بانوا
ولم أستطع معهم رواحا
قد استولى على عيني دجاها
فلن ألقي لها أبداً صباحاً
وكيف بصحبها يبدو لعيني
ونور العين قبل الصبح طاحا
دخلت فلم أعِ ما دار حولي
ولن أدري الغدوَّ ولها الرَّواحا()
*******************
ملحوظة : ماتنبغي الاشارة اليه هو أنَّ كل اقتباسى من أي مرجع مُحال الى مرجعه في الهوامش ، لكن الهوامش لاتظهر في نهاية المقالة ، لأسباب تقنية، فاقتضى التوضيح.
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي - ناقد أدبي- قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت
- علامات:
- ثقافة