28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط ،دور العلماء العامليِّين الأدبي {الشَّيخ إبراهيم صادق (1221هـ/1806م – 1284هـ/1867م)} / جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط ،دور العلماء العامليِّين الأدبي {الشَّيخ إبراهيم صادق (1221هـ/1806م – 1284هـ/1867م)} / جريدة الأيام الإلكترونية ولد الشَّيخ إبراهيم صادق في بلدة الطَّيبة، قضاء مرجعيون، وتوفيِّ فيها، ينتمي إلى أسرة علمية أدبية عريقة، فجدُّه الشاعر العالم، إبراهيم يحيى، تلقَّى مبادئ العلم في مدارس جبل عامل، وبعد وفاة والده بعامين، أي سنة 1252هـ/1836م، ارتحل إلى العراق، وأقام في النَّجف الأشرف سبعاً وعشرين سنة وبضعة أشهر. "هناك تخرَّج بأجَّلة علماء النجف الأشرف، من أسرتي الشيخ جعفر صاحب "كشف الغطاء"، وآل قزويني. وبرع في نظم الشعر، وتعرَّف بعظماء الدولة العثمانية من ولاة القطر العراقي وبعظماء الدولة الإيرانية، وبمشاهير علماء العرب والفرس الذين كانوا يأتون لزيارة العتبات المقدَّمة في العراق، وقد سيَّر فيهم مدائحه. وبالجملة، فإن حياته الأدبيَّة جعلت له شهرة واسعة في زمانه، ولم تكن منزلته في الشعر المعروف والمتداول، في ذلك العصر، دون منزلته في النثر البديع، فكان يتولَّى أمور الكتابة عن شيوخ العلم خطاباً وجواباً، وله اليد الطُّولى في التأريخ، والقدح المعلَّى في التخميس النفيس والتنظير الأثير، ومما يُذكر أن مزَّية التجويد من الشعر، انتقلت من جدِّه الشيخ إبراهيم يحيى إلى فرع بيته"(). وكان يعدُّ في العراق "قطباً من أقطاب الأدب وأركان العلم وفرسان القريض، ودارت عليه رص الشِّعر والنثر، فكان من المجيدين فيهما، والمحتسبين في صوغهما"().
عاد إلى جبل عامل سنة 1279 هـ/ 1862م، "ودخل دمشق بدخول الثمانين، ثم ارتحل عنها إلى الخيام، فمكث فيها عاماً أو بعض عام. وشخص منها للطيبة، بلدة أبائه وأجداده، بطلب من علي بك ومحمَّد بك الأسعد ومكث فيها أربع سنين وأياماً، ثم توفي"().
يرى حبيب صادق، في مقدِّمته لديوان الشَّيخ إبراهيم صادق، أن الكثير من شعره قد تبعثر في العراق، فتعذر جمعه على نجله الوحيد الشاعر عبد الحسين صادق، وما تبقى منه سوى نزر قليل ليس غير، في حين أنه كان، بإجماع شاعراً مكثراً ومجيداً. ويبدو أن فقد قسم كبير من شعره يعود إلى كثرة أشعاره وانتقاله من هذا البلد إلى ذاك().
أتى على ذكره الأديب المؤرِّخ السيِّد حسن الأمين في مقال عنوانه: "علائق شعرية عراقية عاملية" نشرته مجلة "البلاغ" العراقية، جاء فيه: "بلغ من إجادته في الشعر أنهم اختاروا، في النجف، أبياتاً له، من قصيدة طويلة، لتُكتب على شباك ضريح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي هذه القصيدة بقول:
ذلَّت لعزَّتك الدهورُ وأذعنتْ
لجلالِ رِفْعَتِكَ العوالمُ أجمعُ
وصفاتُكَ الحُسنى يقصِّر عن مدى
أدنى علاها كلُّ مدحٍ يُصنَعُ()
ذكر الإمام السيد حسن الصدر في مؤلَّفه المشهور "تكملة أمل الآمل" فقال: "إنَّ الشيخ إبراهيم صادق حفيد الشيخ إبراهيم يحيى العاملي هو عامل فاضل محقق، أديب كبير وشاعر مفلق، جاء من بلاده عاملة إلى النجف وأقام فيها مدة وكانت النجف تزهو بأدبه وشعره. وكان له اختصاص بيت الشيخ كاشف الغطاء وله فيهم الشعر الذي تتحير فيه العقول والألباب"(). والسؤال الذي يطرح هنا هو: لم تمَّ اختيار هذه القصيدة "العينية": الشاعر من جبل عامل بيئة يكثر فيها الشعراء المجيدون؟
ربما الجواب يأتيك من التعليق السديد الذي أطلقه السيِّد الأمين بأنَّ المستوى العالي من الإجادة في الشعر الذي بلغه الشاعر العاملي الشيخ إبراهيم صادق كان وراء هذا الاختيار الامتيازي ليس غير.
"يبقى أن نشير، بأسف، إلى انّض هذه القصيدة الطويلة لم تسلم جائحة من الضياع، فما سلم منها لم يبلغ نصف عدد أبياتها المئة والخمسين. وبِكَ السماواتُ العُلى قامتُ على
أركانِ عزم منكَ لا تتضعَضَع
ومن قصائده المشهورة: تخميس القصيدة الخالية لبطرس كرامة وهي قصيدة لم يكن في قوافيها غير كلمة الخال.
وردت هذه القصيدة إلى بغداد، فقام الشيخ إبراهيم صادق بتخميسها. وجاء في مطلع التخميس:
أخالك ذا عَزْمٍ هوَ الصَّارِمُ الخالُ
وحلمٍ، وإنْ طاشَ الحليمُ هوَ الخالُ
علام الأسى، ما العمُّ أنتَ ولا الخالُ
أَمِنْ خدِّها الورديِّ أفتنكَ الخالُ؟
فسخُ مِنَ الأجفانِ مدمعُك الخال"
واطَّلع الشاعر بطرس كرامة على هذا التخميس أرسل رسالة إلى الشيخ صادق في النجف جاء فيها:
"أقول، وأنا المعترف بالعجز والتقصير: إنَّني وقفتُ على تخميس قصيدتي الخاليَّة الذي طرَّز بُرده ونظم عقده جناب بدر الأدباء، صدر العلماء الراقي حتى ذُرى الآداب أسنى محل الشيخ إبراهيم ابن جناب سيدي المرحوم الشيخ صادق آل يحيى العاملي فقلت مورِّيّا، مقرِّضاً ومصرِّحِّاً بمدح ذلك الجناب..."().
كان الشيخ إبراهيم صادق غزير النَّظم، لكن كثيراً من شعره فقد، وما بقي منه تم جمعه بإشراف حفيده حبيب صادق، وصدر مؤخراً عن المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، وتمنَّ توزيع ما تضمَّنتهع على ثلاثة أبواب هي الإسلاميَّات والوجدانيات والاجتماعيات، وممَّا خلَّفه منظومة في الفقه تناهز أبياتها ألفاً وخمسمئة بيت شرح منها ثلاثين بيتاً في كتاب "الطهارة" أولها: الماء إما مطلق، وذاك ما
يسبق للفهم متى ما قيل ماء. ()
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص روائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت