28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط ،دور العلماء العامليِّين الأدبي {الشيخ إبراهيم الحاريصي (ت: 1185 هـ/ 1771م)} /جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط ،دور العلماء العامليِّين الأدبي {الشيخ إبراهيم الحاريصي (ت: 1185 هـ/ 1771م)} /جريدة الأيام الإلكترونية ولد الشيخ إبراهيم الحاريصي في قرية حاريص – قضاء بنت جبيل، وإليها نُسب تلقَّى علومه في "مدرسة جويَّا"، يقول:
فتى حاريص مغناه، ولكن
تلقَّى العلم وافراً في جويَّا().
"اتصل بشيوخ المقاطعات العامليَّة في عصره، وتردَّد على دورهم، ودخل قلاعهم، فقصر شعره على مدحهم، بعد أن أجزلوا له العطاء، كالشيخ علي الفارس الصَّعبي، شيخ مقاطعة الشقيف، ويبدو من تاريخ قصائده أنَّه قد انقطع إلى هذا الشيخ حتى أدركته المنون. كما اتصل بالمشايخ من آل علي الصَّغير، ومنهم الشيخ ناصيف النصَّار وكذلك الشيخ محمود النصَّار والشيخ حيدر الصَّعبي، من أمراء المقاطعات العامليّة..."().
تلقّى علوم عصره، ولم يترك من الآثار الأدبيَّة سوى قصائد مدحية طوال، احتفظ بها ممدوحوه من الصعبيين في كتاب لم يُطبع. يفيد الاطلاع على هذه القصائد أنَّ أغراضها هي المدح، ووصف الوقائع الحربيَّة والغزل والحكمة.
يرى الدكتور محمَّد كاظم مكِّي أن إبراهيم الحاريصي "يمثل بشعره الوجه السياسي في عهد الحكومات الاقطاعية ومحاولات الاستقلال، لأن شعره تعبير عن وقائع هذا العصر، ولسان حاله، وتصوير لأوضاع فترة من الزّمن تعتبر جزءاً مهماً من تاريخ بقعة من بقاع لبنان، وكشف عن الماضي الذي يبدو فيه سافراً لا تغطِّيه من التصنُّع غلالة، جاء في جميل من القول ولطف من التعبير"().
نلمح في شعره الحكمة والمثل، كما نرى وصفاً للوقائع العسكرية التي خاضها العامليون كقوله:
شوس تمد من السيوف قصارها
يوم الوغى ومن الرماح طوالها
تجفو لدى كسب الثنا أرواحها
وتعاف في نيل المنى أموالها
يقول الدكتور محمَّد كاظم مكِّي: إن الوقائع التي قامت بين الصفديين والعامليين ألهبت في أبناء الجبل النخوة، وأثارت فيهم عصبية وطنية، وحرَّكت عاطفة الاعتزاز بقوتهم وانتصاراتهم، وقد كان الحاريصي المدافع عنهم بشعره، يقف أمام شعراء ظاهر العمر، يفند مزاعمهم، ويدحض أباطيلهم، ويذكر بفضل العامليين عليهم ومساعدتهم ووقائعهم، فقامت معارضات ومطارحات كثيرة بينه وبين عبد الحليم النابلسي، ونلحظ في شعره هذا اعتزازاً بالجماعة لا بالفرد، وإعلاء البطولة العاملية، ولقد أشاد بوقعة للأمير ناصيف النصَّار ضد ظاهر العمر، هي وقعة تربيخا، وقد وافاها النصَّار بخيله، فهرب أعداؤه مخلفين الخيل والسلاح، وقد يذكرهم بأيام سخنين، وكيف استطاع ظاهر العمر أن يرد عنه خطر قبيلة الصقر عندما ساعده العامليون:
وافـى بـهــا فـي تـربـيـخـا وقـــد
جاسـت خـيـول الدارعـيـن خـلالـهـا
أنـسـيـتــم أيـام ســخـنـيـن الـتــي
لـم يـنـسـكـم طـول الـمـدى أهـوالـهـا
والصقر لولا الخوف من عقباتها
ما أزمعت عـن أرضـكم تـرحالها().
وقد كانت قصائد الحاريصي سجلاً تاريخياً للحروب والمعهارك ووثائق المعاهدات بين العامليين وغيرهم، وصورة واضحة لوضع المناطق اللبنانية وحالها في القرنين السابع عشر ميلادي والثاني عشر هجري.
في شعره حب وغزل، وباسمهما يبدأ قصائده على نهج تقليدي، متنقلاً إلى ممدوحه برشاقة خاطفة، تضعك أمام سيل من صفات الممدوح، فكأن هناك ارتباطاً عفوياً بين أجزاء قصيدته.
يقول السيِّد حسن الأمين ونحن حين ندرس الظرف التي نظم فيه هذا الشعر ندرك العوامل التي أوحت للشاعر بما أوحت، فقد كان العامليون في ذلك الحين على سلاحهم ليلهم ونهارهم، لا يعرفون متى تدهمهم النوازل وتحدق بهم الكوارث ولقد خاضوا يومذاك أشد معاركهم عنفاً وأروعها نتائج. وهكذا رأينا الشيخ إبراهيم الحاريصي يخرج عما ألفه الشعراء التقليديون من افتتاح قصائدهم دائماً بالغزل، يخرج في الكثير من قصائده على ذلك الأسلوب فيفتتح في قصيدته الداالية()، على سبيل المثال، بالحكمة المستقاة من التجارب ذات الصلة بالموضوع.
الدكتور عبد المجيد زراقط. أكاديمي - ناقد أدبي- قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت