28.5c درجة الحرارة في بيروت
أهم الأخبار:
image

عبد المجيد زراقط.. دور العلماء العامليِّين الأدبي (الشيخ حسين بن عبد الصمد الهمداني العاملي) / جريدة الأيام الإلكترونية

عبد المجيد زراقط.. دور العلماء العامليِّين الأدبي (الشيخ حسين بن عبد الصمد الهمداني العاملي) / جريدة الأيام الإلكترونية {الشيخ حسين بن عبد الصمد الهمداني العاملي (918/984هـ 1510/1576م}
ولد في بلدة جباع، وفيها تلقَّى علومه الأوَّلية، ينتمي إلى أسرة علميَّة، فأباؤه وأجداده كانوا علماء وأدباء، وقد تابع دراسته حتى أصبح "عالماً جليلاً أصولياً متكلِّماً فقيهاً محدِّثاً شاعراً ماهراً"().
بلغ من الشهرة درجة جعلت شاه إيران طهماسب الصفوي يدعوه إليه، ليستفيد من علمه، فتوجه، ومعه أهل البيت وأتباعه، إلى أصفهان، فأقام فيها ثلاثة أعوام مشتغلاً بالبحث والتدريس. وكان السلطان، يومئذ مستقراً في قزوين، فدعاه للإقامة معه، فلبَّى الدعوة، وهناك قدَّم إليه التحف والهدايا، وفوَّض إليه منصب مشيخة الإسلام، لما رآه من فضله وغزارة علمه. أقام في قزوين سبع سنين، انتقل بعدها إلى المشهد الرضويَّ، ثم إلى "هراة" لإرشاد سكانها الأجانب.
ولم يلبث أن رحل إلى مكَّة المكرَّمة ليؤدِّي فريضة الحج، وبعد أن أدَّاها، سافر إلى البحرين، حيث أقام إلى أن توفى(). من مؤلَّفاته: كتاب "الأربعين حديثاً"، و"الرسالة الطَّهماسية في بعض المسائل الفقهية". "الرسالة الحلبيَّة. "الرسالة في صلاة الجمعة" إضافة إلى كتب أخرى لا تزال مخطوطة، منها ديوان شعر تضمَّن "المنادمات والخواطر والمعارضات". يفخر الشيخ حسين بمجد أجداده الشَّعراء، ولا يكتفي بذلك، وإنَّما يعمل على بناء مجده هو، وهذا يعني أنه يفيد من تراث عريق، ومن موهبة فذَّة، وتجويد يعمل على إتقانه، هذا ما نفهمه من قوله الآتي:
إنَّما الشِّعر لجدّي، وأنا
من شعره أبني لجدِّي()
كان يستهل شعره الغزلي بلفظة "يا نديمي، وهذا ما جعله يطلق اسم المنادمات" على هذا الغرض من شعره الذي يبدو فيه كأنه يخاطب نديماً يبثه ما يعانيه من حبه لـ "فتاة همدان"، فكانت هي الشمس المشرقة، وهو القمر الذي يدور حواليها، ما يذكِّر بشعراء الغزل العذري في تاريخ الشعر العربي.
وفي الخواطر "يبوح بما يجول في باله من حنين لموطنه جبل عامل، وبما يخطر في البال أيضاً من تأمّلات "يتجدد" فيها الفكر والعاطفة، كما نقرأ له في قصيدة مطلعها:
ما شممت الورد إلاَّ
زادني شوقاً إليك..."
وفي المعارضات، يعارض قصائد هي عيون الشعر العربي مثل معارضته لقصيدة "نهج البردة" المشهورة، في مدح النَّبي محمَّد (صلى...) بقصيدة مطلعها:
أسحر بابل، في جفنيك أم سقم
أم السيوف لقتل العرب والعجم
تتصف قصيدته بالفكر العميق، والعاطفة المشبوبة، واللغة المجوَّدة التي تبدو وفيها المحسِّنات البديعية واضحة، كما في قوله:
... وما سقاني رحيقاً بل حري أسى
وكان من أملي منه شفا ألمي
... والبيض، في كفّه، سودٌ غوائلها
حمرٌ غلائلها تدمي على القتم
بيضٌ متى ركعت في كفَّه سجدت
لها رؤوس هوت من قبل للصنم()
ومن نماذج شعره الدَّالة على رؤيته التربوية، قوله لابنه:
صل من دنا، وتناس من بعدا
لا تكرهنَّ على الهوى أحدا
قد أكثرت حواء ما ولدت
فإذا جفا ولدٌ، فخد ولدا()
ومن نماذج شعره الغزلي المتأمِّل للطبيعة، والرَّائي أنَّ وردها هو وجه الحبيب الذي نُسب إليه كل حسن في الدنيا، ولنلاحظ أن هذا الشعر يبدو كأنّه "مموسق" ليس بالموسيقى العروضية فحسب، وإنما بالتنغيم المعجمي التركيبي أيضاً:
ما شممت الورد إلاَّ زادني شوقاً إليك
وإذا مال غصن خلته يحنو عليك
لست تدري ما الذي حلّ بي من مقلتيك
إن يكن جسمي تناءى، فالحشا باقٍ لديك
كلٌّ حسن في البرايا فهو منصوب إليك
رشق القلب بسهم قوسه من حاجبيك
إن دائي ودوائي، يا منائي في يديك
آه لو أسقى، لأُُشفى، خمرة من شفتيك()
ويقول في مدح النَّبي، من القصيدة الطويلة التي عارض بها قصيدة "نهج البردة":
محمَّد المصطفى الهادي المشفَّع في
يوم الجزاء وخير الخلق كلهم
لولا هذه لكان الناس كلهم
كأحرفٍ ما لها معنى من الكلم
كذاكم فضل كمالات خصصت بها
أخاك حتى دعوة بارئ النُّسم
خليفة الله، خير الخلق قاطبة
بعد النبي، وباب العلم والحكم
علم الكتاب وعلم الغيب شيمته
وفي: "سلوني، كشف الرّيب للفهم().
ونجد في تراث الشيخ حسين بن عبد الصمد رسائل إخوانية، يتداخل فيها الشعر بالنثر بمختلف أنواعه: حكمة، قصٌّ، وصفٌ، أمثال، ومن الرسائل رسالتان أرسلهما للشهيد الثاني، وهو بهذا، يؤسس لنوع من الأدب هو الرسائل الأدبية الإخوانية التي تكاد تكون أحاديث سمرٍ مكتوبة.
د. عبد المجيد زراقط. أكاديمي - ناقد أدبي - قاص روائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت