عبد المجيد زراقط.. دور العلماء العامليِّين الأدبي [الشيخ إبراهيم الكفعمي (840/905 هـ - 1436هـ/1500م] جريدة الأيام الإلكترونية
ينتمي إلى أسرة علمية أدبيَّة، فأبوه كان عالماً، وكذلك أخوه أحمد، تلقَّى العلم، في البداية، على أبيه، ثم رحل إلى جزِّين ليتلقَّى العلم في مدرستها، ثم قصد الحلَّة ليحصل على الإجازة من علمائها. وإذ قُيض له ذلك، عاد إلى وطنه بعد أن بلغ مرحلة الاجتهاد، وألَّف رسالة في الفقه، اسمها: "العين المبصرة"، وبقي في بلده يؤلِّف وينظم الشِّعر، ويقضي حاجات الناس إلى أن توفِّي في قريته ودفن فيها.
ألَّف الكفعمي في التفسير والحديث والفقه ونظم الشعر، وبلغ عدد مؤلَّفاته الثمانية والأربعين مؤلَّفاً منها: "الجنة الوافية والجنة الباقية"، المعروف بـ "مصباح الكفعمي" و"نهاية الأدب في أمثال العرب"، و"فرج الكرب في علم الأدب"، و"زهر الربيع في شواهد البديع" و"مجموع الغرائب وموضوع الرغائب".
نظم الشِّعر في المديح الدِّيني، وكان يقدِّم لقصائد منه بالغزل المعبِّر عن لواعجه. و"له قصيدة في سور القرآن الكريم، يمكن أن تكون فهرساً للكتاب، فقد قدَّم لها بخبطةٍ مسجَّعة تبرز إلى حدٍّ كبير أسلوبه النَّثري... وله رسالة كتبها إلى قاضي القضاة، "أبي العباس بن الفرفوري"، وهي تطلعنا على فنّ الرسائل في القرن التَّاسع الهجري. وله قصائد يبدو فيها وهو يشارف في نهجها الشعر التعليمي، فيسِّها بالشعر ما صعب حفظه نثراً، وله أرجوزة تنيف على مئة وثلاثين بيتاً حمَّلها ذكر ما يستحب من الأيام... وهو شاعر مكثر طويل القصائد والأراجيز..."().
من نماذج شعره نذكر ما يأتي:
في أهل البيت (عليهم السلام) لمحات غزلية، يكشف فيها عن وجدٍ حقيقي نقرأ له:
أنا مسكينكم قتيل هواكم
صرت من فقدكم يتيماً أسيرا
ما تخافون شر يوم شديد
قد دعي مع عبوسه قمطريرا
يا ولاة الهداة بشرا فأنتم
سوف تجزون جنة وحريرا
ومن الخطبة: الحمد لله الذي شرف النبي العربي (بالسبع المثاني) وخواتيم (البقرة) من بين الأنام وفضل (آل عمران) على الرجال و(النساء) بما وهب من (مائدة الأنعام) ومنحهم (بأعراف الأنفال)،... الخ. ومن قصيدته المطابقة للخطبة الأبيات التالية:
يا من له السبع المثاني تنزل
وخواتم البقرة عليه أنزلوا
مولىَّ له الأنعام والأعراف والأ
نفال والحكم التي لا تجهل
ودنا له القمر المنير وشقه الر
حمن واقعة له لا تجهل
أبياتها ميقات موسى عدة
والكفعمي في مدحه يتعجل
صلى عليه الله مع أصحابه
ما زال طير العندليب يعندل
ولعل هذه الطريقة قد راقت له فاعتمدها أسلوباً يكرر الرجوع إليه(). وله قصائد يبدو فيها، وهو يشارف في نهجها الشعر التعليمي، فيسهل بالشعر ما صعب حفظه نثراً، وله أرجوزة تنيف على مائة وثلاثين بيتاً حملها ذكر ما يستحب صومه من الأيام:
الحمد لله الذي هداني
إلى طريق الرشد والإيمان
ثم صلاة الله ذي الجلال
على النبي المصطفى والآل
ومنها:
وبعده التاسع من ذي الحجة
فصمه وألزم بعده المحجة
وبعده يوم غدير خمّ
ثامِنُ عَشْرٍ منه فاتبع نظمي
فصومه يعدل صوم الدهر
فهذه السبعة صم عن أمر
وقد عارض بعض الشعراء في أبياته ومنه قوله:
وإذا السعادة ألبستك قشيبها
فأهمم فان لظى الجحيم جنان
فاصرع بها الأعداء فهي ذوابل
واقطع بها البيداء فهي حصان
أما الأبيات التي عارضها فهي التالية:
وإذا السعادة لاحظتك عيونها
نم فالتعازي كلهن هناء
فاصطد بها العنقاء فهي حبالة
واقتد بها الجوزاء فهي عنان().
وقد كان لفرط تعلقه بالبديع، وكثرة تآليفه فيه، أثر في شعره يضفي على هذا الشعر صفة الصناعة المرهفة:
لا تلمني إذا رقيت الأواقي
فالأواقي لماء وجهي أواقي
ولعل اعتماده طريقة نظم النثر، وتحويل موضوعه إلى شعر يعد جديداً بالنسبة للحركة الأدبية في جبل عامل، وهي في الوقت نفسه تفسر لنا جهده وتكلفه (وهذه طريقة بديعة تبارى فيها السلف فبعضهم يعمد إلى أحاديث أو آيات وينسج على منوال مثلها، ويغرقها في أبياته أو سجعاته ويكتبها بلون مخالف للأصل).
وكثيراً ما ضمن شعره أبياتاً إذا جمعنا حروفها يؤدِّي مجموعها إلى مجموع حروف اسم يختاره أو تاريخ. وهذا ما يسمى بحساب الجمل().
د. عبد المجيد زراقط. أكاديمي. ناقد أدبي. قاص وروائي.
جريدة الأيام الإلكترونية. بيروت
- علامات:
- ثقافة